اتحاد الشغل يستميت في الدفاع عن التوريث والمحسوبية في الوظيفة العمومية

| 0 مشاركة
w1

محاباة ومحسوبية وتوريث في الوظيفة العمومية بلمسات نقابية وإصرار على اقتراف نفس التجاوزات رغم تغير الفاعلين. هكذا يصر متنفذون في الاتحاد العام التونسي للشغل على إرجاع عدد من المتعاقدين مع مصحة العمران العائدة بالنظر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، رغم انتهاء عقود بعضهم وإحالة عقود من تم ترسيمهم بصيغ مشبوهة الى كل من القطب القضائي المالي والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بطلب من الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حسين دبش الذي بات يعيش ضغوطات جمة من النقابة الأساسية لمصحة العمران ومن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي فضلا عن دخول منظمة "انا يقظ " والمحكمة الإدارية على خط الرافضين لهذا التوريث في الوظيفة العمومية.

ضغوط وزارية ورفض من مدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:

اجتمع وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي بالرئيس المدير العام الحالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حسين دبش لإقناعه بإعادة ادماج المتعاقدين السابقين مع مصحة العمران لكن هذا الأخير ابى الانصياع لهذه الضغوطات.

رغم ذلك، اتجه بعض النقابيين وأصحاب المصلحة الضيقة لترسيخ هذا التجاوز وتبييض الفساد بعقدهم اجتماعا مع وزير الشؤون الاجتماعية بدعم من السيد وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي لإيجاد حلّ سريع لهذه المسألة وإعادة ادماج من وقع فسخ عقودهم ممارسين في ذلك مجموعة من الضغوطات على الرئيس المدير العام الحالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
هذا وقد علم مركز "يقظ" لدعم وإرشاد ضحايا الفساد بمحاولة وزير الشؤون الاجتماعية السيد محمد الطرابلسي إعادة ادماج الأشخاص المنتهية عقودهم بمصحّة العمران رغم وجود خلل أساسي في الانتداب والذي تمثّل في انتداب عشوائي لأبناء واقارب وأصدقاء أعوان ونقابيين عن طريق المحاباة والرشوة على الرغم من صدور القرار الاستشاري الصادر عن المحكمة الإدارية سنة 2014 والقاضي ببطلان هذا الصنف من الانتدابات.

وزارة الشؤون الاجتماعية والتبريرات الواهية:

على إثر هذه البلاغات اتصلت منظمة "انا يقظ" بمدير ديوان وزير الشؤون الاجتماعية السيد العيد الطرابلسي بتاريخ 21 أكتوبر 2016 الذي أكّد نيّة الوزارة في إعادة ادماج الأشخاص المنتهية عقودهم مبررا بوجود خطأ اجرائي متمثل في عدم إعلامهم مسبقا بانتهاء مدّة العقد رغم مرور 12 يوما على ذلك.

وفي هذا الإطار تطرح عدّة أسئلة، لماذا لم يعلم مدير المصّحة المتعاقدين بانتهاء عقودهم في الآجال القانونية؟ لماذا لم يتجه الأشخاص المنتهية عقودهم للقضاء لإصلاح الخطأ الاجرائي؟ خاصّة وأنّ وزارة الشؤون الاجتماعية اعتبرت قرار الإيقاف لهذا الانتداب العشوائي من قبيل "الطرد التعسّفي"، متجاهلة بذلك غياب أدنى الأسس القانونية للانتداب وهو ما يجعل القرار المؤسس للعلاقة الشغلية منعدما من الناحية القانونية (عملاً بمبدأ ما بني على باطل فهو باطل) وذلك لقيامه على مخالفة فادحة تطال مبدأ الشرعية في الانتداب بالوظائف العمومية كالإعلان على المناظرة للعموم، تكافؤ الفرص والكفاءة في الانتداب وهو ما غاب عن هذه المناظرة التي كان فيها الانتداب عن طريق التوريث والمحاباة في مخالفة صارخة  لرأي المحكمة الإدارية الصادر سنة 2014 والداعي الى ضرورة استجابة الانتدابات لشرطي التناظر والمساواة أمام القانون مبيّنة أن "شفافية الانتدابات تكرّس احترام الحقّ في العمل لتنهي بعدم مشروعية مطالب الأطراف الاجتماعية بتمييز أبناء العاملين بأولوية الانتداب، ومعلّلة ذلك بما تؤسس له هذه الآلية من حرمان المؤسسة العمومية من تحقيق حاجتها للأكفأ في الانتداب".

انا يقظ تكشف مجموعة من الاخلالات:

علمت منظمة "أنا يقظ" بالاخلالات المذكورة آنفا عن طريق مجموعة من البلاغات التي وردت على مركز "يقظ" لدعم وارشاد ضحايا الفساد والتي تضّمنت من بينها  معلومات حول تعيين بعض من المنتدبين في المخابر التابعة للمصّحة دون ايّة اختصاص.
وعلى هذا الأساس قامت منظمة "أنا يقظ" بالبحث في المسألة عن طريق ارسالها لمطلب نفاذ للمعلومة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قصد الحصول على قائمة اسمية للأشخاص المنتدبين في ماي 2015 مع تعليل أسس انتدابهم.
وأمام رفض هذه المؤسسة  تمكين المنظمة من هذه الوثيقة، تمّ رفع قضية في الغرض أمام المحكمة الادارية تحت عدد 713096 لتأذن استعجاليا للرئيس المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتمكين منظمة "أنا يقظ " من هذه الوثائق.

وبالتمعن في الوثائق التي تحصّلت عليها المنظمة تمّ الوقوف على مجموعة من الاختلالات من ذلك:

  • ثبوت عامل القرابة
  • المحاباة في الانتداب
  • التمييز بين المنتدبين.

وأمام نشر المنظمة لهذه التجاوزات تم ايقاف عقود ما يزيد عن 20 منتدبا في حين تمّ فتح تحقيق حول ملابسات ترسيم  15 عونا من مجموع الأعوان المنتدبين بطريقة عشوائية.
وقد تابعت منظمة "أنا يقظ" المسألة مع مجموعة من المبلغين التي طلبت على اثرها الاطلاع على عقود جميع المنتدبين في هذه المناظرة للوقوف على أسباب ترسيم البعض وايقاف عقود البعض الآخر والتي على أساسها سيتمّ التوجه للمحكمة الادارية للطعن بالإلغاء في القرار الاداري باعتباره من قبيل القرار المنعدم الذي يمثل خرقا فادحا للقوانين.

وفي انتظار هذا الإجراء قامت المنظمة بالتحرّي في هوية الأشخاص المنتدبين والمرسمين بطريقة غير قانونية ليتمّ على اثره الوقوف على بعض الأسماء ذات العلاقة ببعض الأشخاص النافذة من ذلك ابنة أخ حسين العباسي امين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، وزوجة ابن  وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق عمار الينباعي إلى جانب مساهمة الرئيس المدير العام السابق للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رشيد الباروني في هذا التجاوز عن طريق ترسيم هذه المجموعة قبل مغادرته في منتصف السنة الحالية، معوّلا في ذلك على الضغوطات التي ستمارسها نقابة موظفي مصحّة العمران لترسيم بقية المنتدبين.

اليوم حسين العباسي وبالأمس عبد السلام جراد

التحركات النقابية لفرض التوريث والمحسوبية في الوظيفة العمومية ليست بالمستجدة فقد سبق لـ اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد ان ذكرت في تقريرها الصادر في 2011 عن عثورها بقصر الرئاسة بقرطاج على عدد من الوثائق المتعلقة بتدخلات قام بها الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل عبد سلام جراد ومنها:

  • فاكس موجه من الإدارة العامة لبنك الإسكان إلى المدير العام للتمويل بوزارة المالية مؤرخ في 19 جانفي 2004 حول طلب عبد السلام جراد التدخل لفائدة زوجة ابنه الموظفة بإدارة التجهيزات والمباني ببنك الإسكان وذلك قصد ترقيتها من صنف كاهية رئيس مصلحة رتبة 1 إلى صنف رئيس مصلحة رغم عدم استجابتها للشروط المطلوبة؛
  • طلب موجه من عبد السلام جراد لوزير الدولة الاسبق زين العابدين بن علي مؤرخ في 19 أوت 2009 قصد تعيين كاتب عام سابق لاتحاد جهوي للشغل ورتبته معلم تطبيق كملحق اجتماعي بإحدى السفارات التونسية بالخارج؛
  • مراسلات موجهة من رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل لرئيس الجمهورية يلتمس فيها التدخل لتمكين حفيده من الترسيم بكلية الطب بالرغم من عدم حصوله على مجموع النقاط التي تؤهله لذلك بالنظر لمعدله في شهادة البكالوريا. كما وجه مكتوبا آخر لرئيس الجمهورية ملتمسا تدخله لفائدة طالب آخر لتمتيعه بامتياز مماثل بالرغم من عدم جدارة المعني بالأمر؛
  • طلب موجه من عبد السلام جراد مؤرخ في 11 اكتوبر 2007 متعلق بالتدخل لترسيم امين عام مساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل نهائيا بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والإذن بتحسين وضعه المهني والمادي بها. مع العلم ان المعني ينتمي في الاصل إلى وزارة التربية برتبة معلم تطبيق. وقد أعيد عرض الموضوع على الرئيس السابق بتاريخ 16 أفريل 2008 الذي أمر "بالتريث؛
  • طلب تقدم به عبد السلام جراد بتاريخ 3 جوان 2010 إلى الرئيس الاسبق حول تحسين الوضعية الإدارية لعضو المكتب التنفيذي للاتحاد وبعد رفض أول في 3 جوان 2010 لعدم توفر المستوى الثقافي، وافق الرئيس السابق على المطلب بتاريخ 22 ديسمبر2010؛
  • مذكرة بتاريخ 23 جوان 2010 تشير الى مطلب تقدم به الرئيس السابق للاتحاد العام للشغل الى الرئيس الأسبق بن علي لتمتيع احد المسؤولين النقابيين يدعى "م.ي" بترقية استثنائية ضمن الديوان الوطني للبريد. ويبدو ان الرئيس الأسبق قد احترز على الترقية بالنظر الى المستوى التعليمي ل"م.ي". وعثرت اللجنة أيضا على مذكرة تزامن تاريخها مع انطلاق احداث الثورة التونسية في منتصف شهر ديسمبر 2010، تضمنت موافقة من الرئيس الأسبق على ترقية نفس المسؤول النقابي.

عبيد البريكي.. تاريخ الوساطات والمحسوبية يعيد نفسه

ما اتاه عبيد البريكي، الوزير الحالي للوظيفة العمومية والنقابي السابق، ليس بالغريب أو المستجد في انتهاج سياسة المحاباة والمحسوبية. فقد سبق له في 2004 ان استغل صفته النقابية كأمين عام مساعد الاتحاد العام التونسي للشغل ليمكن ابنته من التوجه الى شعبة الطب رغم ان معدلها في الباكالوريا لا يخول لها الالتحاق بمقاعد هذه الكلّية . وفي محاولة منه لتبرير ما اقترفه حينها قال العبيدي في تدخل تلفزيوني في 2011: "مساعدة ابنتي للتوجه الى شعبة الطب رغم ان معدلها لا يسمح لها، هو اجراء عادي وليس تجاوزا للقانون."

 

وبناء على ذلك تتعّهد منظمة "أنا يقظ" بمتابعة أيّ تجاوز ناجم عن تغلغل الفساد في المؤسسات العمومية، والأطراف الأخرى المشاركة فيه دون استثناء من ذلك مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في تبييض الفساد بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك قصد مجابهة هذه الظاهرة التي ازدادت صعوبة في ظلّ تغلغل ثقافة الفساد المقنن وتكريس ثقافة الإفلات من العقاب.

وعليه تدعو منظمة "أنا يقظ" كل من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والقطب القضائي المالي بالتسريع في حسم المسائل المعروضة عليهم ومحاسبة كل من تورط في مثل هذه القضايا.