فاضل عبد الكافي، أحمد عبد الكافي أو حين يصبح تضارب المصالح هو القاعدة في القطاع المالي

| 0 مشاركة
w1

رغم أن اسم أحمد عبد الكافي لا زال مبهما لدى عامة التونسيين، فإنه يظلّ من أهمّ رجال الأعمال في الاقتصاد التونسي. في سن الـ 71 (أي خلال سبتمبر 2012) تمّ  تعيين أحمد عبد الكافي، أحد أكبر أباطرة المال، في أحد أهم المناصب في أكبر مؤسسة للتنظيم الاقتصادي في البلاد: البنك المركزي. وفي 26 أوت 2016، بعد عشرة أيام من اجتماع مجلس إدارة الشركة الماليّة التي يديرها -التونسية للأوراق المالية Tunisie Valeurs، تمّ تعيين إبنه فاضل عبد الكافي، على رأس وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي: مؤسسة استراتيجية إخرى في الاقتصاد التونسي.

سنحاول، من خلال هذا التحقيق، لفت الانتباه إلى وضعية تضارب المصالح بين عضوية مجلس إدارة البنك المركزي ومختلف الأنشطة الماليّة التي يضطلع بها أحمد عبد الكافي في الشّركات التي يملكها. كما سنشير إلى التضارب بين خطّة فاضل عبد الكافي الوزارية ومصالحه المالية والمهنية.

تضارب مصالح سافر

ينصّ القانون عدد 58-90 المتعلّق بإنشاء وتنظيم البنك المركزي التونسي على أنّ مهام البنك المركزي تشمل الإشراف على مؤسسات القرض بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية الأخرى مثل بنوك الاستثمار أو شركات الإيجار والتأمين و خدمة إدارة القروض (factoring). وبذلك، يضطلع أحمد عبد الكافي، بصفته عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي، بمسؤوليّة المشاركة في تنظيم القطاع المالي التّونسي.

وقد تم الإبقاء على نفس المهام بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي.

من جهة أخرى، عندما حدّدنا الوظائف التي يقوم بها أحمد عبد الكافي بالتوازي مع منصبه في البنك المركزي، تبيّنّا أنّه في نفس الوقت:

  • عضو في مجلس إدارة شركة تأمين: كومار،
  • عضو في مجلس إدارة شركة تخصيم: شركة تونس للتّخصيم (Tunisie Factoring
  • رئيس مجلس إدارة شركة تأجير: التونسية للإيجار المالي (Tunisie Leasing)، الخ

ومع ذلك، فإن الفصل 25 من قانون عدد 19 لسنة 2006 مؤرخ في 2 ماي 2006 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 65 لسنة 2001 المؤرخ في 10 جويلية 2001 المتعلق بمؤسسات القرض يحظر بكلّ وضوح وبصريح النّصّ الجمع بين هذه المهام:

الفصل 25: لا يمكن للرئيس المدير العام أو المدير العام أو المدير العام المساعد أو رئيس أو عضو هيئة الإدارة الجماعية لمؤسسة قرض أن يباشر في نفس الوقت أي وظيفة من تلك الوظائف في مؤسسة قرض أخرى أو في شركة تأمينكما لا يمكن للرئيس المدير العام أو المدير العام أو المدير العام المساعد أو رئيس أو عضو هيئة الإدارة الجماعية لبنك أن يباشر في نفس الوقت وظيفة عضو مجلس إدارة في بنك آخر.

ويبين الرّسم البياني التالي جيدا أنه بالإضافة إلى وظائف المذكورة آنفا، فإنّ أحمد عبد الكافي مرتبط بالعديد من الشركات الأخرى في القطاع المالي عن طريق أسهم مباشرة وغير مباشرة. وتموَّل هذه الشركات بقروض من البنوك التي يفترض أن تخضع لسلطة إشراف البنك المركزي الذي يتقلّد فيه أحمد عبد الكافي منصب عضو مجلس إدارة.

 

 

وتكشف شبكة الشّركات التي يرأسها أحمد عبد الكافي أو يملك فيها أسهما مباشرة أو غير مباشرة عن رابط خاصّ ببنك الأمان، المكوّن الرّئيسي لمجموعة الأمان البنكيّة، الذي يخضع لسلطة إشراف البنك المركزي ويعتبر من أهمّ الدّائنين له. وعلاوة على ذلك، فإنّ بنك الأمان يشترك في رأس المال مع العديد من الفروع التّابعة لشركة "التونسية للإيجار المالي". مرّة أخرى، يجد أحمد عبد الكافي نفسه في وضعيّة تضارب مصالح واضح بين وظيفته كعضو مجلس إدارة البنك المركزي ودوره كشريك أساسي في واحد من أكبر البنوك في القطاع. حالة تضارب المصالح التي يوجد فيها أحمد عبد الكافي تجعلنا نتساءل: في صورة وجود تجاوزات في صلب بنك الأمان مثلا هل سيبلغ أحمد عبد الكافي عن هذه التجاوزات للبنك المركزي. هل سيستعمل منصبه للتأثير على قرارات البنك المركزي لفائدة شركاته؟ هل سيؤثر موقعه على منافسيه؟ ما مدى نزاهة المنافسة بين شركاته وبقية الشركات وهو مطلع وصاحب قرار في سياسات واختيارات البنك المركزي.

تبييض الأموال وتمويل التّهريب

في عام 2003، انبثقت عن قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال لجنة تسمى "اللّجنة التونسيّة للتّحاليل الماليّة" مقرّها البنك المركزي التونسي ويرأسها محافظه. وتهدف هذه اللّجنة إلى محاربة تبييض الأموال الناجم عن الأنشطة غير المشروعة من خلال محاولة إعادة ادماج هذه الأموال في دوائر الاقتصاد المشروع. وبموجب نفس القانون المعدّل في 2014، يتعيّن على الشخصيّات الماديّة والمعنويّة إبلاغ لجنة التحاليل الماليّة عن أيّ شبهات تبييض أموال طيلة فترة آدائهم لمهامهم.

بالرغم من إنشاء هذه المؤسسة، تظلّ العلاقة الرّابطة بين بعض الأنشطة غير المشروعة والقنوات المالية القانونية وثيقة. يعتبر التهريب من ضمن الممارسات الخارجة عن القانون التي لا تزال تغذي وتتغذى من القطاع المالي التونسي. ففي الظّاهر، تتمّ معاملات المهرّبين الماليّة نقدا، ولكن الواقع مختلف حيث أنّ العديد من فروع البنوك تتمعّش من حركيّة الاقتصاد غير الرسمي المرتكز على التهريب في المناطق الحدودية (المؤدّب، 2012).

ويهمّنا بصفة أساسية شرح الطريقة التي تخوّل للقطاع المالي دعم التهريب وما يتبعه من الأنشطة غير القانونيّة أو غير الرّسميّة. وعلى الرغم من عدم توفّر الإحصاءات، فإنّ البحث الميداني يحيلنا إلى أن العديد من السيارات التي يستخدمها المهربون ليست إلّا شاحنات تمّ شراؤها عن طريق الإيجار المالي leasing. ففي سعيها وراء الربح، توفر شركات الإيجار المالي وسائل نقل يستعملها المهربون لإدخال البضائع للأسواق الموازية أو الأسلحة التي يستخدمها الإرهابيون في زعزعة استقرار الأمن القومي عبر شبكات منظمة. ويذهب جزء من عائدات التهريب الحدودي لصالح أصحاب شركات التّأجير في شكل سداد قروض التأجير.

وفي تساؤلنا عن أسباب فشل/تهاون السلطات المعنية في تفكيك هذه الشبكات، لا نستبعد فرضية عدم المسّ بمصالح هذه الشبكات نظراً لتقاطعها مع مصالح جماعات النّفوذ من أصحاب المناصب الرئيسية في مؤسسات الدولة. فأحمد عبد الكافي على سبيل المثال، علاوة على عضويّته بمجلس إدارة البنك المركزي التونسي كما أوضحنا سابقا، هو أيضا عضو بمجلس إدارة شركة "التونسية للإيجار المالي".

وقد كان سليم شاكر، وزير المالية، قبل توليه المنصب الوزاري، أيضا عضوا في مجلس إدارة شركة أخرى تابعة لنفس المجموعة التي تملك فيها شركة "التونسية للإيجار المالي" المالي أسهما. بالإضافة إلى هذا، نجد أنّ صلاح الدّين قايد السّبسي، شقيق رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الذي جدّد فترة خدمة أحمد عبد الكافي في البنك المركزي، هو أيضا عضو بمجلس إدارة شركة Tunisie Valeurs التابعة لشركة "التونسية للإيجار المالي".

التساؤل يشمل أيضاً الشركة التونسية للأوراق المالية: ففي صورة وجود شبهة تهرب ضريبي لأحد حرفاء الشركة التونسية للأوراق المالية (من بين الخدمات التي تقدمها الشركة لحرفائها نجد المساعدة على إنجاز مخطط مالي montage financier) ولكي تحصل ادارة الجباية على معلومات بخصوصه من قبل الشركة التونسية للأوراق المالية، يمكن للشركة أن تواجه ادارة الجباية بالسر المهني وبالتالي يمكن للشركة رفض تمكين ادارة الجباية من أي معلومة الا بشروط مشطة (بداية من غرة جانفي 2015) كأن يكون المتهرب في وضعية مراقبة جبائية معمقة كما يجب الاستظهار بترخيص من القضاء. لذا يمكن للقائمين على التونسية للأوراق المالية استعمال هذه الثغرة القانونية للتستر على التهرب الجبائي. فقط يخول القانون للجنة التونسية للتحاليل المالية أن تتدخل لان الامر يتعلق بشبهة تبييض اموال وجرائم جبائية. لكن هذه الأخيرة تبقى خاضعة للبنك المركزي مرة أخرى.

في مثل هذه الحالات، تتّضح أهميّة مكافحة تضارب المصالح السافر كالّذي ذكرناه سابقاً. وبالرّغم من تركيزنا على قضيّة أحمد عبد الكافي التي نعتبرها مثالا صارخا ل تضارب المصالح، فإنّ وضعيّة تضارب المصالح تشمل عدّة شخصيّات أخرى تشغل عضويّة مجلس إدارة البنك المركزي. من المؤكد أنّ قانون إنشاء البنك المركزي التونسي ينصّ على أن أربعة من أعضاء مجلس الإدارة يجب أن "يتمّ اختيارهم لخبراتهم المهنية في القطاعات المالية والاقتصادية"، لكن الخبرة لا يمكن أن تكون مبرراً لتضارب المصالح والنفع الشخصي. لا يمكن القبول بتضارب المصالح، الذي لا طالما كان ممأسساً صلب مؤسستنا، بعد الأن. يجب على القوانين أن تتغير.

فاضل عبد الكافي والباب الدّوّار (Revolving Door)

تضارب المصالح مفهوم موسّع إلى حد ما، فهو يشمل التضارب الزمني بين مختلف المناصب التي يتقلّدها نفس الشخص خلال حياته المهنية. وفي دليلها حول الممارسات الكفيلة بمنع تضارب المصالح، عرّفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مفهوم "الباب الدوار" بأنّه "حركة صنّاع القرار داخل وخارج القطاعين العام والخاص". على الرغم من أن هذه الظاهرة شائعة جدا في تونس لدرجة أنّها تعتبر ممارسة عاديّة ومقبولة تماما، مازال مفهوم الباب الدّوّار يمثّل أحد العوامل التي تخلق حالات تضارب المصالح. ذلك أنّ ترك فاضل عبد الكافي لمنصبه المربح في شركة Tunisie Valeurs ليقبل منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي يثير الكثير من التّساؤلات، خاصّة وأنّ الدخل السنوي للمدير العام يبلغ 400 ألف دينار وفق الحسابات السنوية للشركة في 2014. ويتطلب منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، كما هو معلوم، تواصلا دائما ومستمرا مع ممثلي المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية والجهات المانحة الأجنبية الأخرى التي تمول في نفس الوقت الشركات التي تملكها عائلة عبد الكافي مثل Tuninvest International Limited التي يقع مقرّها في ملاذ ضريبي (Jersey).

نفس الشيء لشريكهم المستقر في تونس AfricInvest الذي يقع مقرّه في ملاذ ضريبي أخر (جزر الموريس).

حاليّا، للأسف، ليس هناك أي إجراء يضمن أنّ فاضل عبد الكافي لن يقدّم امتيازات وتنازلات لهذه المؤسّسات ليحفظ علاقته معها لحين عودته إلى القطاع الخاص. كما يمكنه أيضا أن يستغلّ منصبه الحالي لجلب تمويلات جديدة لشركاته.

في سياق مماثل، أشار تقرير أمريكي كانت قد نشرته مجموعة العمل حول ظاهرة الباب الدوار (revolving door) إلى أن هذا الوضع "يمكن أن يمنح الموظفين العموميين الفرصة لاستغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو خاصة على حساب المواطن (دافع الضرائب) الأمريكي".  ألم يحن الوقت للتساؤل عن مدى تأثير ظاهرة كهذه على دافعي الضرائب التونسيين؟


التوصيات:

  1. ندعو أحمد عبد الكافي إلى الاستقالة من مجلس إدارة البنك المركزي ومن مختلف المؤسّسات الماليّة التي يديرها؛
  2. نطالب البنك المركزي بنشر النّص الكامل لمحاضر جلسات اجتماعات مجلس الإدارة التي شارك فيها أحمد عبد الكافي؛
  3. ندعو وزارة الدّاخليّة واللجنة التونسية للتّحاليل الماليّة لتفكيك الشّبكات الرابطة بين القطاع المالي التونسي والجرائم بالمناطق الحدودية؛
  4. ندعو دائرة المحاسبات إلى فتح تحقيق بالبنك المركزي التونسي لتقييم مدى استفادة أحمد عبد الكافي من وضعيّة تضارب المصالح؛
  5. ندعو أعضاء مجلس نوّاب الشّعب إلى تعديل قانون النظام الأساسي للبنك المركزي لضمان استقلاليته عن لوبيات المصلحة الخاصّة وللمسارعة بسن قانون يعرف ويجرم تضارب المصالح في القطاعين العام والخاص؛
  6. ندعو السيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى تطبيق مدونة سلوك وأخلاقيات العون العمومي في بابها الرابع حول تضارب المصالح "ويتولى العون العمومي مهما كانت رتبته بمجرد مباشرته لمهامه التصريح كتابة لرئيسه المباشر بحالات المصالح الخاصة التي من شأنها أن تتضارب مع الالتزامات الموكلة له" ؛
  7. ندعو السيد فاضل عبد الكافي إلى التصريح ثم الإعلان عن ممتلكاته ومكاسبه ليتسنى معرفة الشركات التي هو على صلة بها؛
  8. ندعو جميع الهياكل الرقابية بمتابعة الصفقات العمومية التي قد تشمل شركاء ومستثمري فاضل عبد الكافي أو والده.