التكتم عن مصادر تمويل احزابه واوجه انفاقها ورفض اغلب وزرائه التصريح بمكاسبهم، تلك هي السمة المشتركة للائتلاف الحزبي الذي تولى السلطة بين 22 نوفمبر 2011 و 28 جانفي 2014. سنة أولى فثانية ثم ثالثة، تولت أحزاب النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل من اجل العمل والحريات الحكم في تونس ابان ثورة على الفساد دون أن تنزع هذه الأحزاب الى التحلي بالشفافية والنزاهة المالية.
تشير الوثائق التي حصلت عليها أنا يقظ من دائرة المحاسبات الى عدم تقديم أحزاب الترويكا لتقاريرها المالية الى الجهات الرقابية اثناء توليها الحكم بين 2011 و2014. فلا النهضة أو المؤتمر أو التكتل بادرت بالتوجه نحو دائرة المحاسبات لكشف المعاملات المالية التي طرأت عليها كأحزاب، رغم اشرافها على الحكم وتوليها السلطة التنفيذية والتشريعية. ثم بعد خروجها من الحكم اكتفى حزب المؤتمر برفع تقرير يتيم الى دائرة المحاسبات في 17 جوان 2016 تلاه تحرك نهضوي في 16 جانفي 2017. واللافت في مسارعة حركة النهضة الى دائرة المحاسبات في مستهل 2017 هو تقديم 4 تقارير سنوية بالتمام والكمال دفعة واحدة، هي تقارير سنوات 2011 و2012 و2013 و2014. فلماذا لم يتم الإفصاح عن هذه التقارير السنوية في الآجال القانونية؟ وأين هو تقرير سنة 2015؟ هل سننتظر خمس سنوات أخرى لتوافينا النهضة بتقرير سنة 2015؟
والسؤال الأهم هنا: لماذا لم تتحرك السلط والهيئات الرقابية طيلة الخمس سنوات الفارطة التي لم تقدم فيها حركة النهضة وغيرها من الأحزاب تقاريرها المالية من أجل وضع حد لنزيف الإفلات من العقاب على الرغم من الخطورة القانونية لهذا التجاوز؟ حيث ينص الفصل 27 من المرسوم عدد 87 المنظم لعمل الأحزاب السياسية على ان "يقدم كل حزب تقريرا سنويا يشمل وصفا مفصلا لمصادر تمويله ونفقاته الى دائرة المحاسبات"،كما تخضع القائمات المالية للحزب السياسي لتدقيق سنوي من قبل مراقب او مراقبين اثنين يتم اختيارهما من جدول هيئة الخبراء المحاسبين، وذلك حسب قيمة الموارد المالية المتوفرة للحزب، وذلك وفق الفصل 26 من ذات المرسوم المتعلق بتنظيم عمل الأحزاب.
ينص هذا الفصل أيضا على ضرورة رفع هذا التقرير الرقابي للمعاملات المالية للحزب الى لجنة يترأسها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية وبمشاركة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ورئيس هيئة الخبراء المحاسبين، بالإضافة الى الوزير الأول (رئيس الحكومة). هذه اللجنة بدورها تعمل على المصادقة على هذا التقرير او رفضه.
وتتراوح العقوبات المفروضة على الأحزاب الرافضة للكشف عن تقاريرها المالية او غير المصادق على تقاريرها المالية بين رسالة تنبيه ممضاة من قبل الوزير الأول قصد إزالة المخالفات المرتكبة أو تعليق نشاط الحزب او حتى حله إذا تمادى في ارتكاب المخالفة."
في 28 أكتوبر 2016 تقدمت منظمة انا يقظ بطلب الى دائرة المحاسبات للحصول التقارير السنوية لعامي 2015 و2016 للأحزاب السياسية التالية :
- حركة نداء تونس
- حركة النهضة
- حزب المؤتمر من اجل الجمهورية
- حزب التكتل من اجل العمل والحريات
- حزب افاق تونس
- حزب الاتحاد الوطني الحر
- حزب العمل
- الحزب الجمهوري
- حزب المسار
- حزب التيار الديمقراطي
- حركة الشعب
- حزب التحرير
وفي غرة ديسمبر 2016 وافتنا دائرة المحاسبات بالاجابة التالية: "بالرجوع الى قائمة الأحزاب السياسية على نحو ما تلقتها دائرة المحاسبات من الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب برئاسة الحكومة تبين في موفى شهر أكتوبر 2016 عدم تقيد جل الأحزاب السياسية بالالتزام المحمول عليها والمتمثل في مد دائرة المحاسبات بتقاريرها السنوية وضعف مستوى الإفصاح المالي لديها ومحدودية التزامها بمقتضيات الشفافية. وبناء على ذلك فإن دائرة المحاسبات لا يمكن لها الاستجابة لطلبكم المتمثل في توفير نسخ لما جملته 12 حزبا الا بالنسبة لاربعة أحزاب سياسية وهي حزب نداء تونس وحزب افاق تونس وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التيار الديمقراطي اودعت تقارير سنوية لمصادر تمويلها ونفقاتها لدى الدائرة."
نقطة أخرى جمعت أحزاب الترويكا خلال سنوات حكمها، وهي الالتزام الضعيف لدى وزرائها بالتصريح بمكاسبهم. اذ لم يصرح ما لا يقل عن 40 % من وزراء التكتل و20 % من المؤتمر من اجل الجمهورية و15% من وزراء النهضة خلال فترة اعتلائهم سدة الحكم. اما النسبة الاجمالية لعدم تصريح حكومتي الترويكا فقد كانت 22% بالنسبة لحكومة حمادي الجبالي و13.2% بالنسبة لحكومة علي العريض.
ولا غرابة اذن ان يتهرب بعض الوزراء على غرار وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام (الذي صرح بمكاسبه عند توليه بعد سنة وخمسة اشهر ودون ان يصرح بممتلكاته عند مغادرته خاصة إذاعلمنا أن هذا الوزير هو الآن محل تحقيق قضائي بشبهة فساد مالي) من كشف ممتلكاتهم اذا علمنا كذلك ان رئيس حكومتهم بدوره لم يصرح بمكاسبهم، ونعني هنا رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي حسب ما أشار له مقال سابق لمنظمة أنا يقظ.
كما تجاوز عشرون من الوزراء المصرحين الآجال القانونية خاصة بعد مباشرتهم الحكم، بما ان قرابة نصف أعضاء الحكومة صرحوا بممتلكاتهم بعد أكثر من سنة، أي قبل سقوط الحكومة بأشهر معدودة.
هكذا اذن، لا يزال الالتزام الضعيف لأحزاب الترويكا ووزرائها بالشفافية والنزاهة المالية. أحزاب حاكمة لا تكشف معاملاتها المالية ووزراء لا يصرحون بمكاسبهم والأخطر من ذلك يعطلون اللجنة الثلاثية المعنية بملف التقارير السنوية الحزبية والمكونة من الرئيس الأول للمحكمة الإدارية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ورئيس هيئة الخبراء المحاسبين.